بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد أن لا إله إلا الله، أمان الخائفين، وجار المستجيرين، ومعيذ المستعيذين، وملجأ الملتجئين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، كان يتعوذ بالله من كل سوء وشر، تعوذ بالله من القلة والفقر، ومن الذلة والخيانة، وتعوذ بالله من الأسقام والفتن، والعجز والكسل، تعوذ بالله من شماتة الأعداء وجار السوء. تعوذ بالله من تخبط الشيطان ومن الضلال، ومن شر السمع والبصر، ومن العين اللامة. وعلم أصحابه والمؤمنين أن يلتجئوا إلى الله ويستعيذوا به. لذلك اعلموا فإن الشرور التي تصيب الإنسان - أعاذنا الله وإياكم منها - إما أن تكون من الخارج ، وإما أن تكون من الداخل ولا ثالث لهما .
ولذا فقد وردت النصوص بالأمر بالاستعاذة بسورتي الفلق والناس ؛ لاشتمالهما معا على الحرز من الشرور كلها داخلها وخارجها وأخرج مالك في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها: { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح بيدي عليه، رجاء بركتهما. {
أجاز العلماء الاستعانة بالأدعية والرُقية، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى فرقاه جبريل وقال: { بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، والله يشفيك . { وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم { إذا دخل أحدنا على مريض فليدع له: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات . {
وعن علي كرم الله وجهه قال: { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل على مريض قال: أذهب الباس رب الناس، اشف أنت الشافي لاشافي إلا أنت } . ففي سورة الفلق نتجه إلى الله ونستعين به في الأمور التي لا إرادة لنا فيها.
قل أعوذ برب الفلق :الفلق : الصبح كما في قول الزمخشري
الفلق والفرق : الصبح لأن الليل يفلق عنه ويفرق
الاستعاذة هنا: الالتجاء إلى الله سبحانه من كل شيء يفزع الإنسان ويهدد أمنه وأمانه، ولايستطيع أن يواجهه بقدراته، ومن هنا فهو يلجأ إلى الله، لأنه القادر على دفع السوء بقدرة وتفوق قدرة الشر جميعاً.
العوذ هو الاعتصام والتحرز من الشر بالالتجاء إلى من يدفعه، والفلق بالفتح فالسكون الشق والفرق، والفلق بفتحتين صفة مشبهة بمعنى المفعول كالقصص بمعنى المقصوص، والغالب إطلاقه على الصبح لأنه المشقوق من الظلام،
وعليه فالمعنى أعوذ برب الصبح الذي يفلقه ويشقه ومناسبة هذا التعبير للعوذ من الشر الذي يستر الخير ويحجب دونه ظاهر
رب الفلق هو الله، والفلق
الإصباح. ويجوز أن يكون أعم من ذلك أن الفلق كل ما يفلقه الله تعالى من الإصباح، والنوى، والحب. كما قال الله تعالى: {إن الله فالق الحب والنوى}
ورب الفلق: هو الله تعالى . والعبد يستعيذ من شرور المخلوقات كالشيطان والنفاثات وكل ذي شر كما سيأتي , فكان من المناسب أن يقرن الاستعاذة بالرب الخالق من مخلوقاته . والمقام ليس استعاذة في جانب تعبدي وإنما في أمور الدنيا حتى إن الإنسان يستعيذ بالله من شر نفسه ومن شر شياطين الإنس والجن والمخلوقات كلها وهذا عام وهو على عمومه، حتى قال الحسن: إن إبليس وجهنم مما خلق
إذا فقوله تعالى : من شر ما خلق : فيشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها(1). وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في تفسير هذه الآية :من شر جميع المخلوقات حتى من شر النفس الأمارة بالسوء وأول ما يدخل فيه نفسك
لأن النفس أمارة بالسوء، فإذا قلت من شر ما خلق فأول ما يدخل فيه نفسك، كما جاء في خطبة الحاجة «نعوذ بالله من شرور أنفسنا»(256)، وقوله: {من شر ما خلق} يشمل شياطين الإنس والجن والهوام وغير ذلك
فبعد أن عمم الاستعاذة من جميع المخلوقات، خصص بالذكر ثلاث أصناف، تنبيهاً على أنها أعظم الشرور وأهم شيء يستعا ذ به
فقالَ: {وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} أي: من شرِّ مَا يكونُ في الليلِ حينَ يغشى الناسَ، وتنتشرُ فيهِ كثيرٌ منَ الأرواحِ الشّريرةِ، والحيواناتِ المؤذية
ومن شر غاسق إذا وقب} الغاسق قيل: إنه الليل. وقيل: إنه القمر، والصحيح إنه عام لهذا وهذا، أما كونه الليل، فلأن الله تعالى قال: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} [الإسراء: 78
والليل تكثر فيه الهوام والوحوش، فلذلك استعاذ من شر الغاسق أي: الليل
وأما القمر فقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن النبي صلى الله عليه وسلّم أرى عائشة القمر. وقال: «هذا هو الغاسق»(257)، وإنما كان غاسقاً لأن سلطانه يكون في الليل. وقوله: {من شر غاسق إذا وقب} هو معطوف على {من شر ما خلق} من باب عطف الخاص على العام، لأن الغاسق من مخلوقات الله عز وجل
ومن شر غاسق إذا وقب» أعوذ بالله من شر الليل إذا أقبل، لأنه في الليل مخاوف ومخاطر، من سباع البهائم وهوام الأرض وأهل الشر والفسق والفساد.
في الصحاح،: الغسق أول ظلمة الليل وقد غسق الليل يغسق إذا أظلم والغاسق الليل إذا غاب الشفق.
انتهى، والوقوب الدخول فالمعنى ومن شر الليل إذا دخل بظلمته.
و نسبة الشر إلى الليل إنما هي لكونه بظلمته يعين الشرير في شره لستره عليه فيقع فيه الشر أكثر مما يقع منه بالنهار، والإنسان فيه أضعف منه في النهار تجاه هاجم الشر، وقيل: المراد بالغاسق كل هاجم يهجم بشره كائنا ما كان.
ذكر شر الليل إذا دخل بعد ذكر شر ما خلق من ذكر الخاص بعد العام لزيادة الاهتمام
وهنا نلاحظ الاستعاذة أولا من شر ما خلق وهذه استعاذة عامة وهي مناسبة لقولنا إن الفلق هو الخلق كله, وكذلك نقول على القول الثاني أن الفلق هو الصبح وهذا يتناسب مع قول(من شر غاسق إذا وقب ) يستعيذ برب الإصباح من الليل ,فيستعيذ بالله الذي خلق النور والشمس والضياء من الظلام واهله وشره
ثم يستعيذ من شر سحر السحرة فقوله تعالى : (( ومن شر النفاثات في العقد )) فالنفاثات كما قال :
ابن قتيبة: هن السواحر ينفثن. أي: يَتْفُلن إذا سحرن، ورَقَيْن. قال الزجاج: يَتْفُلْنَ بلا ريق، كأنه نفح. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: تفسير نَفَثَ: نَفَخَ نفخاً ليس معه ريق، ومعنى تفل: نفخ نفخاً معه ريق(5). قال الشيخ محمد بن عثيمين : ذكر الله تعالى النفاثات دون النفاثين لإن الغالب الذي يستعمل هذا النوع من السحر هن النساء ويحتمل أن يقال أن النفاثات تشمل الرجال والنساء(4). والمهم هنا أن النفاثات المراد به السحرة قطعاً، سواء كان النفث من النساء كما هو ظاهر اللفظ، أو من الرجال على معنى الجماعات، أو النفوس الشريرة فتشمل النوعين
وغالبا ما تمارس النفاثات سحرها في الليل لذا جاءت هذه الآية بعد ذكر الغاسق إذا وقب مباشرة . وقال هنا من شر النفاثات ولم من يقل شر النفث ,فالنفث بذاته لا يضر وإنما الذي يضر أولا: نفس الساحر أو النافث لما في نفسه من المعاني السيئة التي تلقيها الشياطين ,ثانيا :الشياطين التي يحركها هؤلاء وتساعدهم ويعززذلك ضعف الانسان ,فإذا وجد السحر قلبا خاويا من الذكر مدمن على معاني تبعده عن الله تسلطت عليه الشياطين.( في العقد) الاستعاذة هنا من شر النفاثات التي تعقد بخيوط وغيرها فينفث على كل عقدة برقى وتعاويذ شركية رة أمر الله -جل وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يستعيذ فيها من شر المخلوقات أجمعين، يعني : من شر المخلوقات أجمعين، ثم خصص ذلك بالليل وخصه ايضا بالنفاثات في العقد
ثم امر الله تعالى نبيه ان يستعيذ من شر الحاسد اذا حسد وذلك لكثرة الغفلة فيهن
فالحاسد وهو الذي يتمنى زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود.هوَ الذي يحبُّ زوالَ النعمةِ عنِ المحسود،ِ فيسعى في زوالهَا بما يقدرُ عليهِ منَ الأسبابِ، فاحتيجَ إلى الاستعاذةِ باللهِ منْ شرهِ، وإبطالِ كيدهِ، ويدخلُ في الحاسد العاينُ، لأنَّهُ لا تصدرُ العينُ إلاَّ منْ حاسدٍ شريرِ الطبعِ، خبيثِ النفسِ
وقد يطلق الحسد ويراد به الغبطة، وهو تمني ما يراه عند الآخرين من غير زواله عنهم.
أما الغبطة أو المنافسة فهي مباحة، لأنها تمني مثل النعمة مع عدم زوالها عن صاحبها روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لا حَسَدَ إلا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ وَرَجلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمل
فمن حسد أخاه المسلم -بمعنى غبطه - تمنى أن يكون مثله، ولكنه لم يتمن زوال النعمة عن أخيه، فهذا من باب الغبطة، ومن باب الحسد المباح، وأما إذا تمنى زوال
النعمة عن أخيه المسلم فهذا من باب الحسد المذموم، الذي أُمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستعيذ من صاحبه.
ختم بالاستعاذة من شر الحاسد ولم يقل ومن حاسد إذا حسد لان الحسد طبيعة في النفس الإنسانية إلا من رحم الله تعالى
وهذه والسورة تدل على تعليم الناس كيفية الاستعاذة من كل شر في الدنيا والآخرة
وروى مسلم في صحيحه وأحمد والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم } : ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط» قل أعوذ برب الفلق« و» قل أعوذ برب الناس« } .
وروى أحمد والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: { أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة } .
روى أحمد وأبو داود والنسائي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أيضاً قال: { بينا أنا أقود برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب إذ قال لي: يا عقبة ألا تركب، قال: فأشفقت أن تكون معصية قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركب هنية ثم ركب ثم قال: ياعُقب ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ قلت: بلى يارسول الله فأقرأني» قل أعوذ برب الفلق« ،» قل أعوذ برب الناس« ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله فقرأ بهما ثم مر بي فقال: كيف رأيت ياعقب، إقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت } .
وروى البخاري وأهل السنن في الاستشفاء بهذه السور الثلاث عن عائشة رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه ثم نفث فيهما، وقرأ فيهما » :قل هو الله أحد« و » قل أعوذ برب الفلق« و» قل أعوذ برب الناس« ثم يمسح بهما مااستطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات فتعالوا اخواني نحصن انفسنا من هذه الشرور الثلاثة وذلك بالاكثار من قراءة هذه السور وترديد ما علمنا اياه
رسول الله صلى الله عليه وعلى اله وسلم من اوردة شرعية لانها حصن منيع يغفل عنه الكثيرون
وفقنا الله واياكم للعمل بها واعاذنا واياكم من شرور انفسنا