غربة أهل السنة بين ألفة أهل الأهواء

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين
وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولا معين ،وأشهد ان محمدا عبده ورسوله الى الثقلين
صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم الى يوم الدين
وبعد معاشر المرابطين والموحدين : أتباع نبي الله محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا اخالني في زمن يشك فيه عبد عاقل فضلا عن من لديه حس ومعرفة بطريق الحق وأهله
اننا في زمن غربة ، وفي زمن التصادمات والاراء والافكار والتناقضات التي هي أشبه ببحر لجّي لا شاطئ له
وفي هذه الغربة الغريبة التي احاطت باهل الحق من كل جانب ، تجد الغريب يحتاج بين كل سعقة يتلقاها من اهل الباطل ، وكل صفعة تصفعه في دينه ومعتقده ومنهجه من طرف اهل الاهواء والنحل
وبين كل جرفة تجرفه مع كل تيار ضلامي وضلالي يضرب مدينة الاسلام وقلعة السنة وحصن الجماعة
تجده يحتاج الى ما يشد من عزيمته ، ويربط من جأشه ، ويقوي من همته
حتى لا ينجرف ولا ينحرف ولا يتطرف ولا يتغرب غربة عن دينه بل يرضى بغربة عن اهل عشريته
فان الغربة غربتان
اما غربة عن الدين واما غربة عن الاهل والخلان والاقربين
اما غربة في الدين واما غربة عن الدين
فنحن نسال الله ان ينعم علينا بغربة في الدين وان يحفظنا من غربة عن الدين
والفرق بين جلي : فالغربة في الدين يعني انه يكون في غربة من اهل دينه ونفس اهل ملته فهم بدّلوا وهم ما بدل
هم ابتدعوا وهو ما ابتدع
هم غيروا وهو ما غير
ولكنهم مع كل انحرافهم يقولون امنا بالله واتبعنا الرسول
فهو بينهم غريب منهم وغريب عنهم
اما الغربة عن الدين
فهو ان تعيش غريبا عن دينك لا تعرفه ولا تدين به ولا تملك منه الا الاسم والا الرسم
فلا هوية لك ولا معتقد لك ولا مبدا لك ولا مشرع لك ولا مرسل اليك
فانت بهذا غريب عن دينك
بدلت التعاليم وغيرت المفاهيم وتخيرت من الشريعة ما يناسب مقامك ومقاسك فامنت ببعض و(...) ببعض
عياذا برب الناس والفلق
احبتي وفي خضم هذا المقال وبين ثنايا ذا المقام
احببت ان ازين كلماتي وان اعطر همساتي بنور كلمات اخر وهمسات انور من كلمات وهمسات شيخ الاسلام والمسلمين
ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى وهو الذي وفقه الله من بعد شيخه وشيخنا جميعا ابن تيمية يرحمه الله وسائر ائمة المسلمين من اهل السنة والجماعة المتبعين
هذا الامام الهمام الغني عن كل تزكية ورفعة للمقام ، وفقه ربه تبارك وتعالى لفهم هذا الدين والتاسي بنبي رب العالمين واما المرسلين ، محمد عليه افضل الصلاة وازكى التسليم
ومن ذلك قوله الجميل وشرحه الجليل لمعاني الغربة التي قد يعانيها المؤمن الموحد المرابط على ضفاف السنة والجماعغة
فلا يفارق ولا يغير ولا يبدل ، شرحا كريما ومبدعا جميلا يفهمه الصغير ويعقله الكبير ويحتاج اليه الفطن اللبيب
وهذا كلامه رحمه الله

قال الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه مدارج السالكين [ 3/199]

في سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة الخشني قال" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام فإن من وراءكم أيام الصبر الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أجر خمسين منهم قال أجر خمسين منكم"

وهذا الأجر العظيم إنما هو لغربته بين الناس والتمسك بالسنة بين ظلمات أهوائهم وآرائهم فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه وفقها في سنة رسوله وفهما في كتابه وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه وطعنهم عليه وإزرائهم به وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه فأما إن دعاهم إلى ذلك وقدح فيما هم عليه فهنالك تقوم قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل ويجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله فهو :

- غريب في دينه لفساد أديانهم

- غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع

- غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم

- غريب في صلاته لسوء صلاتهم.

- غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم

- غريب في نسبته لمخالفة نسبهم غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم

و بالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته لا يجد من العامة مساعدا ولا معينا فهو عالم بين جهال صاحب سنة بين أهل بدع داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف .. انتهى كلامه رحمه الله

اسال الله ان يوفقني واياكم احبتي واخوتي لكل ما يحبه ويرضاه
وان يجعل القبول لكل عمل نعمله لوجهه الكريم
والحمد لله رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته