ام صلاح مشرف دردشة
عدد المساهمات : 29 نقاط : 26025 السٌّمعَة : 11 تاريخ التسجيل : 07/09/2010
| موضوع: الايجابية ... 04 الثلاثاء يناير 18, 2011 10:52 pm | |
| 3- الأجر والأثر
إن الداعية معلق القلب بالمثوبة، متطلع للأجر، يحب أن يبقى له أثر، وأن يمتد أجره بعد انقضاء عمره ، وذلك كله لا يكون بالأمنيات ولا يتحقق بالشفاعات، وإنما ميدانه العمل{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}، " إن الإسلام منهج حياة واقعية، لا تكفي فيه المشاعر والنوايا ما لم تتحول إلى حركة واقعية، وللنية الطيبة مكانها، ولكنها هي بذاتها ليست مناط الحكم والجزاء، إنما هي تحسب مع الأمل، فتحدد قيمة العمل"[الظلال 3/1709]، وهذا قول الحق جل وعلا {إن هذا لهو الفوز العظيم ، لمثل هذا فليعمل العاملون} فهل تريد الجنة بلا عمل ؟ وهل تطمح في الفردوس دون كد وبذل وتضحية ؟
إن هذا " النعيم الذي لا يدركه فوت، ولا يخشى عليه من نفاد، ولا يعقبه موت، ولا يهدده عذاب، لمثل هذا فيعمل العاملون"[الظلال5/2988]، إنه العمل الحثيث، وأما الخسران المبين { والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات... } ولله در الشنقيطي في أضواء بيانه [9/494] حين قال:" فهذه السورة فيها دفع لكل فرد إلى الجد والعمل المربح، ودرجات الجنة رفيعة، ومنازلها عالية مهما بذل العبد من جهد، فإن أمامه مجال للكسب والربح نسأل الله التوفيق والفرح وقد قالوا : لا يخرج إنسان من الدنيا إلا حزيناً فإن كان مسيئاً فعلى إساءته وإن كان محسناً فعلى تقصيره"، ومن ترك العمل أو قصر فيه فإنه إلى الوراء يتراجع فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل، إما إلى أمام ، وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة، ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طئ إلى الجنة أو إلى النار، فمسرع ومبطئ ومتقدم ومتأخر" [ مدارج السالكين 1/267 ]
فاختر لنفسك أيها الداعية، واعلم أن دين الله ليس فيه محاباة، وميزان الحق ليس فيه مجاملات، ولقد صدع بها نبي الهدى عليه الصلاة والسلام يوم قال:( من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)[رواه مسلم] .
والإسلام يوم دعانا إلى العمل لم يدعنا دعوة رخوة ولا متوانية، بل دعانا دعوة ملؤها الحث والحض والتحفيز، أليس قد قال الحق جل وعلا:{ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} وقال أيضاً: { وسابقوا إلى مغفرة من ربكم} وقال أيضاً{ فاستبقوا الخيرات} ووصف الحق جل وعلا أنبياءه في معرض المدح فقال{ أولئك يسارعون في الخيرات} ونبينا- صلى الله عليه وسلم - يقول بادروا بالأعمال سبعاً)[رواه الترمذي]
ويقول اغتنم خمساً قبل خمس ) إنه ليس هناك مجال لوقت ضائع، ولا لجدل فارغ، ولا لعوارض مشغلة أو أعراض مثقلة، وما أعجب من يخاطب بتلك الآيات ثم لا يكون في غمرة العمل، وغاية البذل مشمراً عن ساعد الجد،صاعداً درج المعالي.
إن من أدركوا هذه الحقيقة قاموا فلم يقعدوا، وتيقظوا فلم يناموا، وكان لهم بين كل عمل وعمل عمل، ومع كل درجة يبلغونها أخرى يرتقونها، فهل جاءك- أخي الداعية- خبر أبي الوفاء بن عقيل وقوله:" إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعلت فكري في حال راحتي وأنا نستطرح فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرص على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين"[المنتظم 9/214].
وهل مر بك ذكر إمام الحرمين أبي المعالي الجويني وقد مرّ في ترجمته أنه" كان لا ينام إلا مغلوباً " إنه طاقة متحركة بلا توقف حتى يبلغ الأمر مداه فيغلبه النوم فإذا أخذ منه حظاً يسيراً عاد إلى العمل مستأنفاً دون نظر إلى ليل أو نهار.
وهكذا ستعلم نبأ وقد كان له أكثر من اثني عشر درساً في اليوم والليلة، وإن أردت المزيد فهناك الكثير وحسبي وحسبك أن ندرك أن طلب الأجر مولد لطاقة جبارة تحقق الكثير مما قد يعده البعض بعبد المنال، أو مستحيل الوقوع.
وأعيد لك الكرّة مرة أخرى في شأن الأثر الذي تريد أن تخلفه وراءك، ومرة أخرى أقول : ليس هناك من أثر إلا بالعمل .. (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، وأنّى لك ذلك، وأنت لم تعمل ليكون لك مال تتصدق به، وأنى يكون لك علم وأنت لم تطلبه، ولم تثن الركب في تحصيله، ولم تسهر الليالي في مراجعته، وكيف لك ولد صالح وأنت لم تعلمه ولم تبذل في تربيته .
والحق أنه" إذا علم الإنسان – وإن بالغ في الجد – بأن الموت يقطعه عن العمل عَمِلَ في حياته ما يدوم بعد موته، فإن كان له شيء من الدنيا وقف وقفاً وغرس غرساً وأجرى نهراً، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده فيكون له الأجر،أو أن يصنف كتاباً" [صيد الخاطر ص20].
هذه ركائز ثلاثة أقتصر عليها وأكتفي بها، وإن كان للإيجابية روافد غيرها، فالله الله في العمل وإتقانه ، والله الله في استمراره ودوامه، والله الله في حبه والتعلق به . | |
|